فصل: الشاهد الأربعون بعد الخمسمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.معاودة صلاح الدين حصار الإفرنج على عكا.

ثم وصل العادل أبو بكر بن أيوب منتصف شوال في عساكر مصر ومعه الجم الغفير من المقاتلة والأصناف الكثيرة من آلات الحصار ووصل على أثره أسطول مصر مع الأمير لؤلؤ وكبس مركبا فغنم ما فبه ودخل به إلى عكا وبرىء صلاح الدين من مرضه وأقام بمكانه بالجزيرة إلى إنسلاخ الشتاء وسمع الإفرنج أن صلاح الدين سار إليهم واستقلوا مسلحة المسلمين عندهم فزحفوا إليهم في صفر سنة ست وثمانين واستمات المسلمون وقتل بين الفريقين خلق وبلغ الخبر بذلك صلاح الدين وجاءته العساكر من دمشق وحمص وحماة فتقدم من الجزيرة إلى تل كيسانو تابع القتال على الإفرنج يشغلهم عن المسلمين فكانوا يقاتلون الفريقين وكان الإفرنج مدة مقامهم على عكا قد صنعوا ثلاثة أبراج من الخشب إرتفاع كل برج ستون ذراعا وفيه خمس طبقات وغشوها بالجلود وطلوها بالأدوية التي لا تلعق النار بها وشحنوها بالمقاتلة ودنوها إلى البلد من ثلاث جهات في العشرين من ربيع الأول سنة ست وثمانين وأشرفوا بها على السور فكشف من عليه المقاتلة وشرع الإفرنج في طم الخندق وبعث أهل عكا سابحا في البحر يصف لهم حالهم فركب في عساكره واشتد في قتال الإفرنج فخف على أهل البلد ما كانوا فيه وأقاموا كذلك ثلاثة أيام يقاتلون الجهتين وعجزوا عن دفع الأبراج ورموها بالنفط فلم يؤثر فيها وكان عندهم رجل من أهل دمشق يعاني أحوال النفط فأخذ عقاقير وصنعها وحضر عند قراقوش حاكم البلد وأعطاه دواء وقال أرم بهذا في المنجنيق المقابل لإحدى الأبراج فيحترق فحرد عليه ثم وافق ورمى به في قدر ثم رمى بعده بقدر أخرى مملوأة نارا فاضطرمت النار واحترق البرج بمن فيه ثم فعل بالثاني والثالث كذلك وفرح أهل البلد وتخلصوا من تلك الورطة فأمر صلاح الدين بالاحسان إلى ذلك الرجل فلم يقبل وقال إنما فعلته لله ولا أريد الجراء الا منه ثم بعث صلاح الدين إلى ملوك الأطراف ليستنفرهم فجاء عماد الدين زنكي بن مودود صاحب سنجار ثم علاء الدين بن طالب صاحب الموصل ثم عز الدين مسعود بن مودود وبعثه أبوه بالعساكر ثم زين الدين صاحب أربل وكان كل واحد منهم إذا وصل يتقدم بعسكر فيقاتلون الإفرنج ثم يضربون أبنيتهم وجاء الخبر بوصول الأسطول من مصر فجهز الإفرنج أسطولا لقتاله وشغلهم صلاح الدين بالقتال ليتمكن الأسطول من دخول عكا فلم يشغلوا عنه وقاتلوا الفريقين برا وبحرا ودخل الأسطول إلى مرسى عكا سالما والله تعالى أعلم يغيبه.

.وصول ملك الألمان إلى الشام ومهلكه.

هؤلاء الألمان شعب من شعوب الإفرنج كثير العدد موصوف بالبأس والشدة وهم موطنون بجزيرة إنكلطيرة في الجهة الشمالية الغربية من البحر المحيط وهم حديثو عهد بالنصرانية ولما سار القسس والرهبان بخبر بيت المقدس واستنفار النصرانية لها قام ملكهم لها وقعد وجمع عساكره وسار للجهاد بزعمه وفسح النصارى له الطريق وقصد القسطنطينية فعجز ملك الروم عن منعه بعد أن كان يعد بذلك نفسه وكتب بها إلى صلاح الدين لكنه منع عنهم الميرة فضافت عليهم الأقوات وعبروا خليج القسطنطينية ومروا بمملكة قليج أرسلان وتبعهم التركمان يحفون بهم ويتخطفون منهم وكان الفصل شتاء والبلاد باردة فهلك أكثرهم من البرد والجوع ومروا بقونية وبها قطب الدين ملك شاه بن قليج أسلان قد غلب عليه ألاوده وافترقوا في النواحي فخرج ليصدهم فلم يطق ذلك ورجع فساروا في أثره إلى قونية وبعثوا إليه بهدية على أن يأذن لهم في الميرة فأذن لهم واسترهنوا عشرين من أمرائه وتكاثر عليهم اللصوص فقيدوا أولئك الأمراء وحبسوهم وساروا إلى بلاد الأرمن وصاحبها كاقولي بن حطفاي بن اليون فأمدهم بالأزواد والعلوفات وأظهر طاعتهم وسار إلى إنطاكية ودخل ملكهم ليغتسل في نهر هنالك فغرق وملك بعده ابنه ولما بلغوا انطاكية اختلفوا فبعضهم مال إلى تمليك أخيه وبعضهم مال إلى العود فعادوا كلهم وسار ابن الملك فيمن ثبت معه يزيدون على أربعين ألفا وأصابهم الموتان وحسن إليهم صاحب انطاكية المسير إلى الإفرنج على عكا فساروا على جبلة اللاذقية ومروا بحلب وتخطف أهلها منهم خلقا وبلغوا طرابلس وقد أفناهم الموتان ولم يبق منهم إلا نحو ألف رجل فركبوا البحر إلى عكا ثم رأوا ما هم فيه من الوهن والخلاف فركبوا البحر إلى بلدهم وغرقت بهم المراكب ولم ينج منهم أحد وكان الملك قليج ارسلان يكاتب صلاح الدين بأخبارهم ويعده بمنعهم من العبور عليه فلما عبروا اعتذر بالعجز عنهم وافتراق أولاده واستبدادهم وأما صلاح الدين فإنه استشار أصحابه عند وصول خبرهم فأشار بعضهم إلى لقائهم في طريقهم ومحاربتهم وأشار آخرون بالمقام لئلا يأخذ الإفرنج عكا ومال صلاح الدين إلى هذا الرأي وبعث العساكر من جبلة واللاذقية وشيزر إلى حلب ليحفظوها من عاديتهم والله تعالى ولي التوفيق.